ماي/أيار 1968 بعد أربعين عامًا( 3 ): أيّ أفق للحرية الشخصية إزاء ربقة “المواضعات الاجتماعية” ؟
” الإنسان أفق وهو مشدود إلى أفقه بالضرورة ”
أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين
وجدت التوجهات الفكرية الناقدة لـ”هربارت ماركوز” المرتكزة على “أخلاقية الرفض” صدى مذهلا لدى متلقيها من الطلبة بعد أن نجح صاحبها في التوليف بين مبادئ الماركسية وتصورات الفرويدية، متمكنا من استكشاف تمفصلات الفضاء المشترك المنشئ للقيم الناظمة للعمل، والفضاء الشخصي موضع تفتق التصورات المتصلة بالتساؤلات حول الوجود. جسم مؤلفا “الشبق والحضارة Eros et civilisation” 1954 و”الإنسان الأحادي البعد L’Homme unidimensionnel ” 1964 ، فهم “ماركوز” العميق لـ”أخلاق الرفض” من خلال تشهيره بما وسمه بـ”الكليانية التكنوقراطية الجديدة” العاملة على تضخيم الشعور بالاستلاب عبر تعمّد خلق حاجيات وهمية مصطنعة لا يكف الإعلام الموجه على النفخ في صورتها وتضخيم قيمتها الحقيقية. فـ”الكليانية” الحقيقية لا تعكسها داخل مجتمعات ما بعد الحداثة النمطية السياسية المرهبة، بل تجسمها أساسا النظم الاقتصادية – التقنية المهيمنة على مسالك الإنتاج والتوزيع والمالكة لقدرة لا تقاوم على التلاعب بالذهنية الجمعية بخلق حاجيات متجددة، موهمة باندراج عملية تلبيتها وتوسيع قاعدة استهلاكها ضمن خدمة الصالح العام.
* جامعي- كلّية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – جامعة تونس