العنف ضد المرأة في القرآن: الضرب نموذجا
للمرأة مكانة مُلتَبِسة وملغزة في سفرالإنسانية المديد، فهي المخلوقة من ضلع آدم المعْوَجّ، لتكون أنيسا لوحدته، وخليلة وحشته في قفصه المسمّى بالجنة ! وهي المغوية حينا والغاوية حينا آخر، ولقد جاءت الكتب السماوية والرسالات التوحيدية وغيرها في أخبار وقصص تنوّعت، وآشتركت وافترقت، في الرواية عن قصة هذا الكائن اللغز، الذي صيّره المخيال الجمعيّ آخر يتربّص بنا، ونُوقع به. تلك هي الشراك التي امتدت عبر قرون بين آدم وحواء… ولعلّني أحسد حواء على هذه القدرة الغريبة في تحمّل إرث ضالع في دائرة العبودية وفنونها وشرائعها، تلك التي أنتجتها تراتبيا الحضارة الذكورية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مسنودة بظهير دينيّ مخصوص تارة، وآيديولوجي بشكل عام تارة أخرى. كما أغبط حواء أيضا على وجودها المثير للجدل في هذه الإشكالوية في الزمانية الكبرى” الماضي والحاضر والمستقبل على حدّ توصيف الفيلسوف الفرنسي بول ريكور” !
ولعلّ المجتمع برمّته عانى من إشكالية تسرّب الدين الى مفاصل الحياة وحقولها المختلفة، وصولا الى أدقّ التفاصيل الشخصية في العلاقات العامة والخاصة، بدعوى وجود الدين كناظم وهادٍ للجميع وهو رسالة سماوية لا يمكن الاعتراض على أحكامها وفروضها، وتوابع وذيول سدنتها واجتهادت القائمين فيها على ولاية المجتمع المدني بتسيّدهم هرم السلطة السياسية، أوعلى شكل جوامع ومجامع وحوزات وتكايا وصوامع تُشكّل سلطات باطنية وتمثل وفرة وسلطة سائدتين من فاعلين إجتماعيين لهم رأسمال رمزيّ في هذا الحقل بحسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو.
القرآن ونضج الرسالة الإلهية
فهل كان المرسل ناضجا في نصه… والمتلقي قانعا بها، وهل كانت الرسالة واضحة وصريحة ولا تحتاج الى تأويل؟
يمثل القرآن أخر “كتاب مقدس” لديانة توحيدية أخيرة وهي الاسلام، وبهذا التراتب الزمني ّالتاريخيّ للرسالات التوحيدية، والمصدر الالهيّ لهذا الكتاب– حسب إدعاء المسلمين- يعني أن هذا الكتاب في أعلى درجة من الكمال والنضج والصلاح التام في التعامل مع المشكلات البشرية عامة ، ومشكلة العلاقات الاسرية وتحديدا العلاقة بين الرجل والمرأة، لما يفترضه المنطق من تطور العقلية البشرية ورقيّ مستوى التلقي عندها، لقبول الرسالة الاخيرة من المرسل الاول” الله”، وقطعا كان الله، يحمل ضمنا، قصدا واضحا في التدرّج بمخاطبة العقل البشري في تسلسله في إرسال الأنبياء والرسل والرسالات تباعا .
واذا كان الاسلام خاتم الرسالات الإلهية، ومحمد خاتم الرسل والأنبياء ، فهل كان القرآن” الرسالة ” بمستوى النضج المفترض لمعالجة المشاكل الناجمة عن العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار العقد المسمى” الزواج الشرعي”؟
وهل حقا كانت الرسالة” القرآن” مستوفية لشروط القبول في حاضنة إنتاجها، وفي كل زمان ومكان
أيضا ،أم أنها كانت ضحية افتراءات القراءة والتلقي الجديدين على الله ورسوله !!؟
الضَرب في القرآن
لعل من النماذج الصريحة جدا والتي نصّ عليها القرآن بوضوح تامّ مسألة الضرب، كما وردت في سورة النساء : 34- 35″… وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”.
وسوف نتحدد في هذه المقالة بدراسة موضوع الأذى الجسديّ الصريح الذي يقرّه القرآن، وهو “الضرب”، ويُعتبر- وفقا للقرآن- من ضرورات الحياة لمواجهة المشاكل التي تطرأ على العلاقات الزوجية، بغضّ النظر عما يسبّبه من استفزاز صريح وصادم للعلاقة الزوجية في المجتمع، ولما له من آثار نفسية سلبية في بناء مجتمع قائم على الاسرة والفرد كنواتين مهمتين لإرساء مفهوم الانسان الفاعل والحرّ في الحياة .
تفسير آية الضرب
ورغم اتفاق أئمة المسلمين الشيعة والسنة على ورود الضرب بمعناه الصريح، وإن اختلفوا في تحديد ” درجاته واوداته ” ولكنهم اتفقوا على أنّ الضرب هو الوسيلة المقررة من الله صراحة لغرض إرجاع المرأة الى صوابها المفقود دائما ، وبتدرج يثير الانتباه الذي يبدأ من الموعظة وهجر المضاجع الى الضرب .
نقول رغم اتفاق الفقهاء على الضرب كعقاب إلهي صريح ، يأتينا باحث آخر وهو ” د . نظمي خليل أبو العطا” الذي سيجهد نفسه في البحث عن مفردة” ضرب” وتعدد معانيها في القرآن إذ يقول” أن مشتقات لفض الضرب في القرآن ستة عشر وجها وهي كما يلي :
1- { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا } [النحل : 76]، 2- { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } [النساء : 101] ، 3 – { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } [الكهف : 11] ، 4 – { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } [الزخرف : 5] ، 5- { كذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } [الرعد : 17] ، 6- { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور : 31]، 7- { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا } [ط-ه : 77] ، 8- { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال : 12] ، 9- { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [البقرة : 61]، 10- { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } [ص : 44] . 11- { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } [محمد : 4]، 12- { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } [الحديد : 13]، 13- { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور : 31]، 14- { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [محمد : 27]، 15- { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ } [البقرة : 60]، 16- { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [الصافات : 93]”. ليصل الباحث الى قناعة مفادها أن ” المعنى المناسب لكلمة الضرب في سياق فض النزاع بين الزوجين هنا هو الإصلاح والوفاق هو الهجر في البيت بعد الهجر في المضجع !” ويضيف : ” أن القرآن الكريم لم يعبر بلفظ ( الضرب ) ولكن عبر بلفظ الجلد ( بفتح الجيم وتسكني اللام ) حين قصد إلى الأذى الجسدي بقصد العقاب أو التأديب كما في قوله تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } [النور : 2] وذلك من الجلد ( بكسر الجيم وتسكين اللام ) لأنه موضع الإحساس بالأذى والألم الخارجي ،وهو المقصود بالضرب. وهنا نلاحظ التباسا وتخبطا واضحين في تأويل د. نظمي، إذ لورجعنا للمقارنة مع نصوص أخرى واردة في القرأن تفيد معنى العقاب والثواب للإنسان معا، مثل تعدد الزوجات، ومُلك اليمين وعدم تحريم العبودية وأمتلاك الجواري… الخ، ولم يستطع أحدٌ أن يؤول هذه السماحات والمكرمات والمباحات من الله لعبيده “المسلمين” بغيرماوردت بهذا الوضوح والصراحة !