الانتحار، وظاهرة الضحيّة في عالمنا العربي “جدليّة الأنا والأنا الأعلى” (2/2)
1- الانتحار كمعطى نفسي لظاهرة تتكرّر (2/1)
2- الانتحار كمفهوم نفسي اجتماعي
هناك حقيقة اليوم باتت تتمثّل في أنّ الظّروف الاجتماعيّة القاسية، خلال فترات الاضطراب تزداد فيها حالات الاكتئاب والانتحار. كما أنّه في المجتمعات التي تعجز عن توفير الإشباعات الضروريّة لأفرادها، يخلق بالضّرورة عدداً هائلاً من الشّخصيات ذات التبعيّة له، هؤلاء الأشخاص الذين تكوّنت لديهم نتيجة لخبرات الطفولة تبعيّة فميّة، بحيث يكونوا أسوأ حالاً في مثل هذه الظروف الاجتماعيّة، لعجزهم عن أن يعيشوا الاحباطات، دون أن يستجيبوا لها بطريقة اكتئابيّة. إنّ الحياة ونزوة التّدمير، وصور التّناقض بين الطبيعة والمجتمع، يمكن أن تتغيّر ببعض التّطوير لبنى المجتمع، وطريقة عمله. وبذلك الإطار الاجتماعي القمعي، يطبع حياة الفرد الإشباع بالاكتئاب، بحيث يتقدم مبدأ الواقع على مبدأ اللذة، مبدأ الواقع المشتت غير الآمن، هذا الذي كَثُر الحديث عنه مؤخراً في خطب الرّؤساء العرب، في الدّول التي شهدت حراكاً جماهيريّاً، ضدّ القمع في السّنة الأخيرة من تاريخ بلادنا، حيث وجدناهم يساومون المواطنين عل التخيير بين الأمن، أو الانجرار للفوضى وبين عيش الحريّة، يقول “فرويد”: “بمقدار ما ينتج مبدأ الواقع في فرض ذاته كمبدأ منظم للعلاقات الإنسانيّة، فلا يعود البحث عن إشباع الرّغبات، يتم من خلال أقصر الطرق حتى لو كان السبيل لذلك التفافاً على الأسلوب المناسب المتوافق مع الضمير الأخلاقي / الأنا الأعلى /. ويؤجل الحصول على نتيجته تبعاً للشروط التي يفرضها العالم الخارجي، ومبدأ اللذة في كلّ الأحوال ما كان ليكف عن منازعة مبدأ الواقع أبداً. من هنا يجد “فرويد” أنّ الحضارة جاءت كوسيلة لقمع الطبيعة البشريّة، ومن جهة أخرى تعالج هذه الظاهرة كحافز لتعبير الإنسان الإبداعي عن الذات، الحضارة تتطلب نكران النّزوات الجنسيّة، إنّ هذا النّكران الثّقافي، يحرّك الميدان الواسع للعلاقات الاجتماعيّة، من خلال “نزوة الموت” وارتداد عدوانيّة الإنسان الهدّامة على نفسه.